الصفحة الرئيسية  أخبار عالميّة

أخبار عالميّة وفق صحيفة نيويورك تايمز: برلين لم تعد منارةً للحرية الثقافية.. غزة غيَّرت كل شيء

نشر في  09 أفريل 2024  (15:31)

الصورة: جدارية في أحد شوارع برلين تطالب بعودة الرهائن الإسرائيليين من غزة- 

انقلب المشهد الفني في ألمانيا – وخاصة برلين – رأسًا على عقب بسبب هجمات حماس في إسرائيل يوم 7 أكتوبر، والحصار والقصف الإسرائيلي على غزة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تم إلغاء العديد من احتفاليات الجوائز والمؤتمرات والمسرحيات. وقد اقترح المسؤولون الثقافيون الحكوميون في ألمانيا ربط التمويلات بما يقوله الفنانون والمؤسسات عن الصراع في غزة، وتعج وسائل الإعلام – التقليدية والاجتماعية على حد سواء – بالإدانات العلنية لهذا الكاتب، وذلك الفنان، وهذا الموسيقي، وتلك الراقصة، وذلك بسبب موقفه المناصر للفلسطينيين.

وتضيف الصحيفة الأميركية، أن هذه الأجواء أدت إلى اتخاذ البعض موقفا من الأنشطة الثقافية في برلين، رفضا لمناخ الخوف والاتهامات المضادة بشأن إسرائيل وجرائمها، ما يهدد مكانة برلين باعتبارها عاصمة ثقافية دولية ويعرضها لخطر أعظم من أي وقت مضى منذ عام 1989.

يقول التقرير: «كانت برلين ذات يوم المنارة الفنية لأوروبا بأكملها، ولكن ما يحدث هنا اليوم هو قصة ألمانية للغاية. ولا تزال مسؤولية الدولة عن ‘المحرقة’ تحدد القطاع الثقافي الذي تلتزم المؤسسات تجاهه».

ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أنه بينما كان الفنانون في جميع أنحاء العالم – من مسرح حفل ​​توزيع جوائز الأوسكار إلى بينالي ويتني – يتحدثون بصوت عالٍ عن الحرب، لكن مثل هذه التصريحات في ألمانيا يمكن أن تكون خطيرة، كما أن لها تكلفة كبيرة، وقد تنتهي بإلغاء عروض، وخسارة تمويل، واتهامات ضد قائلها بأنه معاد للسامية في مجتمع لا توجد فيه تهمة أكثر خطورة من ذلك.

تقول فنانة موسيقية، في تقرير «نيويورك تايمز»: «إن الإحساس بالقيود الجديدة، والضوابط الجديدة، والمخاوف الجديدة، يفرض بالفعل ثمنًا باهظًا على الثقافة في المدينة التي اشتهرت بترحيبها بالفنانين».

وقال كلاوس بيسنباخ، مدير المتحف الوطني الجديد، الذي كان يدير في السابق متاحف بنيويورك ولوس أنجلوس: «هذا القلق يجعل من الصعب علينا العمل على المستوى الدولي، وجذب أفضل المواهب، والجمع بين جماهير متنوعة». و«إذا غادر الفنانون، فإن إحدى المكاسب التي حصلت عليها برلين ستختفي».

طابور خارج نادي بيرغهاين الشهير في برلين، العام الماضي، حيث ألغى حفل كان من المقرر أن يعزف فيه منسق موسيقي شارك بمحتوى مناهض لإسرائيل- نيويورك تايمز.

لقد ضربت عمليات الإلغاء والتأجيل والضجة كل القطاعات الثقافية، مع الغضب والاتهامات القادمة من أعلى المستويات مثل المستشارية. وشهد مهرجان برلين السينمائي الدولي انسحابات واحتجاجات هذا العام – وبعد حفل اختتامه، الذي دعا فيه العديد من الفائزين إلى وقف إطلاق النار في غزة، أصدر المسؤولون الفيدراليون والدوليون تهديدات بحجب الدعم المستقبلي.

أيضا جرى استبعاد منسقي الأغاني من الاصطفاف في بيرغهاين والنوادي الأخرى أحيانًا، بعد نشر تصريحات معادية لإسرائيل، ولكن في كثير من الأحيان بسبب دعم أكثر اعتدالًا لحياة الفلسطينيين.

وألغى مسرح مكسيم غوركي، أحد أشهر دور العرض في المدينة، مسرحية حائزة على جوائز عن الإسرائيليين والفلسطينيين في برلين – ما دفع العديد من المثقفين والفنانين إلى إلغاء ظهورهم هناك بدورهم.

وفي صالات عرض معهد KW للفن المعاصر، وهو مركز للمشهد الفني في المدينة، توجد منحوتات جرى شحنها مؤخرًا في صناديق غير معبأة. يرفض مبتكروها الآن العرض في ألمانيا احتجاجًا على ما يصفونه بالقيود المفروضة على التعبير الداعم للفلسطينيين.

متظاهرون مؤيدون لإسرائيل يسيرون في برلين ـ رويترز

ويدق بعض القادة الثقافيين ناقوس الخطر، ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، اقترحت حكومة ولاية برلين بند تمويل جديد يتطلب من الحاصلين على المنح التوقيع على وثيقة تعارض «أي طريقة من طرق معاداة السامية» واستخدمت تعريفًا أدرج انتقادات معينة للسياسة الإسرائيلية على أنها معادية للسامية. واحتج الفنانون، وجرى سحب الاقتراح، لكن المدير المنتهية ولايته لمعهد غوته، الذي يروج للغة الألمانية والأدب الألماني في الخارج، أعرب في مجلة دير شبيغل عن قلقه من أن «الشركاء القدامى في عالم الثقافة الدولي يفقدون الثقة في ليبرالية الديمقراطية الألمانية».

وبالنسبة للعديد من الفنانين، وخاصة الأجانب الذين استقروا في برلين كمكان للحرية والوفرة الثقافية، فإن بقاء المدينة كعاصمة فنية أصبح موضع شك، أو ربما انتهى بالفعل.

يقول آي ويوي، الفنان الصيني والمعارض الذي يحتفظ باستوديو في برلين ولكنه لم يعد يعيش هناك: «برلين، من وجهة نظري، ليست مكانًا يمكن للفنانين أن يبدعوا فيه بحرية.. كلما سمعت عن فرض مسؤولي الحكومة الألمانية قيود على حرية التعبير للفنانين، أشعر باليأس».

ولا يقتصر ذلك على العاصمة الألمانية فقط، فقد أجَّل معرض فرانكفورت للكتاب إلى أجل غير مسمى حفل توزيع جوائز عدنية شبلي، الكاتبة الفلسطينية الشهيرة والمقيمة في برلين. وتراجعت مدينة بريمن عن حفل توزيع جوائزها الخاصة للكاتبة اليهودية ماشا جيسن بسبب مقال يقارن غزة بالأحياء اليهودية في المدن التي احتلها النازيون. الفنانتان جومانا مناع، الفلسطينية المقيمة في برلين، وكانديس بريتز، وهي يهودية، ألغيت معارضهما في المتاحف الإقليمية بسبب منشورات مثيرة للجدل (كالعادة) على وسائل التواصل الاجتماعي. وحتى غريتا ثونبرغ، الناشطة المناخية السويدية، جرى اعتقالها في ألمانيا بعد ارتدائها الكوفية الفلسطينية والدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

يقول تقرير «نيويورك تايمز»: إن برلين هي الخاسر الأكبر من كل هذه الاستنكارات والإدانات، ومن الوعكة الأكبر في الديمقراطية الألمانية التي تنبع منها. كان نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، والتقدم الأوسع لليمين الشعبوي في أوروبا، سببًا في زعزعة معايير المسؤولية التاريخية في فترة ما بعد الحرب وما بعد الجدار. ولا يزال وصول مليون لاجئ من سوريا وأماكن أخرى في عام 2015 يشكل النقاش الدائر حول من هو الألماني. ويتسبب تجميد الإنفاق الجديد وميزانيات التقشف، الناجمة عن القيود المفروضة على الديون الحكومية في حدوث مشكلات للعاصمة التي لا تزال تضم ثلاث دور أوبرا كبرى.

كل هذا في حين يتصاعد الخطاب المعادي للسامية، بل وحتى العنف، في ألمانيا. ففي أكتوبر/ تشرين الأول، ألقى مهاجمون ملثمون زجاجات المولوتوف على كنيس يهودي «أخطأوا الهدف، ولم يصب أحد بأذى». فضلا عن رسم الإهانات المعادية لليهود ونجوم داوود على المباني الحكومية والمساكن.

وعندما جاء الناشطون المؤيدون للفلسطينيين إلى هامبرغر بانهوف، إحدى المؤسسات الرائدة في برلين للفن المعاصر، وصرخوا ضد مدير أحد المتاحف اليهودية في البلاد بشعارات مثل «الصهيونية جريمة»، أكدوا اعتقاد الكثيرين هنا. وأن الخطاب المعادي لإسرائيل هو مجرد خطوة بعيدا عن معاداة السامية.

وربما جاءت أدنى نقطة حتى الآن في نهاية مهرجان الأفلام لهذا العام، عندما دعا عديد من الفائزين بالجوائز إلى وقف إطلاق النار في غزة؛ وذهب اثنان إلى أبعد من ذلك، فاستخدما «الإبادة الجماعية» و«الفصل العنصري» لوصف تصرفات إسرائيل. ودفع ذلك وزيرة الثقافة الألمانية، كلوديا روث، إلى الإعلان عن إجراء تحقيق في إدارة المهرجان السينمائي. وفي مقابلة لاحقة مع مجلة دير شبيغل، قال روث، إن حرية الفنون تشمل المسؤولية التنظيمية، واقترح أن يسأل منظمو المهرجان أنفسهم: «ما هي الأفلام التي سيتم اختيارها؟ كيف يتم تعيين المحلفين؟».

ورد المدير الفني للمهرجان المنتهية ولايته، كارلو شاتريان، على هذا التدخل الحكومي في رسالة مفتوحة، متهمًا المسؤولين الألمان والمؤسسات الإخبارية باستخدام خطاب «معاداة السامية كسلاح لأغراض سياسية».

أخيرًا .. خلص تقرير نيويورك تايمز إلى أنه كان ينبغي على العاصمة الألمانية أن تعلم الآن «أن توجيه الثقافة نحو أهداف سياسية نادرًا ما يؤدي إلى نتائج جيدة». وأن حرية الفنون لا تزال تحدد معالم برلين التي تعرف أفضل من معظم المدن المخاطر الكامنة عندما يتم الإفراط في تنظيمها. فإذا فُقدت هذه الحرية الثقافية، فسوف تفقد أكثر من مجرد “مشهد”. إنها تفقد الأرضية نفسها – أرض الخيال المتعاطف – التي تقوم عليها لمكافحة معاداة السامية وجميع أشكال التعصب الأخرى.

المصدر: موقع الغد